منير بن النير الجعلاني في: 237هـ
ادريس بن بابا باحامد -
لا ريب أن لكل أمة من الأمم رجالا وعلماء يستنيرون بهم إذا احلولكت الظلمات، وتشعبت السبل، وتنوعت المسالك، ليروا بهم النور، فيكونوا مشاعل علم وهدى، ومنارات فكر واقتداء، والأهم من ذلك أن تجد رجالا شهد لهم التاريخ برسوخ القدم في القيادة والفكر، لا في محيطهم فحسب بل ذاع سَيْطُهُم ليشمل العالم أجمع، لما تميّزوا به من فكري عالمي، له أصول ومبادئ، ولا يتسنى لنا الحكم بذلك إلا إذا غصنا في غمار تراثهم العلمي، أو على الأقل مؤلفاتهم العلمية، وإن شئت صرا أكثر فقل في آثارهم وإن كانت نزرا يسيرا، إذ العبرة بالأثر لا بالكم والكثرة، ومن علماء الأمة المشهورين بذلك، علماء عمان، لذا حاولت تخصيص بعض الحديث عن بعض الشخصيات العمانية التي دعت إلى تميزت بأفكار عالمية دعت إلى ذلك تحقيقا وتحريضا وبيان أهمية، وهذا من شأنه أن يقرِّب بين الأمم والشعوب، ويؤكد الدور البارز للعلماء المسلمين عموما والعمانيين خصوصا في بث روح التآلف والتكاثف والتعاون، ونبذ العنف والكراهية، وتأكيد معالم الحرية ونبذ العبودية، والدعوة إلى تحقيق التعايش السلمي وإن اختلفت الأجناس والأعراق، والعقائد والأفكار، وسوف يكون الحديث عن علماء من القرون الهجرية الأولى وغيرها إلى أن نصل إلى علماء في وقتنا المعاصر، وهذا لنؤكد أن المنهج السلمي التعايشي سلسلة تميز بها هؤلاء العلماء ولم تنقطع أبدا، يتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، فما على هاته الأجيال إلا الحفاظ عليها، والتأكيد على ما جاء في هاته الأفكار من قيم. وقد ارتأيت أن تكون هذه السلسلة منضوية تحت مسمى (عالم وفكرة) أو (علماء وأفكار).
«أحد حملة العلم من البصرة إلى عمان، ويعرف بالجعلاني وهو من بني ريام. انتقل إلى البصرة، وتتلمذ على يد الربيع بن حبيب، ثم رجع إلى عمان مع حملة العلم، وهم موسى بن أبي جابر الإزكوي، وبشير بن المنذر النزواني، ومحمد بن المعلا، ومحبوب بن الرحيل رضي الله عنهم. حضر بيعة الإمام الجلندى سنة: 131هـ. له سيرة كتبها إلى الإمام غسان بن عبد الله تبين مدى علمه وسعة اطلاعه، وهي موجودة ضمن مجموعة السير والجوابات (مطبوع). يعتبر أحد كبار العلماء في الرعيل الأول، وهو الذي قام بالبيعة للصلت بن مالك سنة:237هـ. عاصر الإمام الجلندى بن مسعود، والإمام محمد بن عفان، والإمام الوارث ودخول عيسى بن جعفر بن المنصور العباسي. وعاصر أيضا الأئمة عبد الملك والمهنا بن جيفر. خرج مع رجال من أهل جعلان لصد محمد بن بور - ممثل السلطة العباسية - من فرض سيطرته على عمان، وقتل حينها خلق كثير منهم الأهيف بن حمحام ومنير بن النير، وكان ذلك يوم 26 ربيع الآخر 281هـ. وقد دفن الشيخ منير في جعلان حسب وصيته. وقيل إن مشاركة الشيخ منير كانت من أجل الاستشارة فقط. عمَّر كثيرا طويلا حتى سقط حاجباه وضاعت رجلاه وبقي لا ينتفع إلا برأيه، فقد عاش -حسب المصادر- حوالي عشرين سنة بعد المائة». ينظر: محمد ناصر، سلطان الشيباني، معجم أعلام الإباضية، قسم المشرق.
فكرته: «فالتوبة خير لنا ولكم من الإصرار على الذنوب والمضي على القبيح، والله يحب التوابين ويحب المتطهّرين» (السير والجوابات، ج 1، ص 251).
خلق الله تعالى الخلق وجعل من خصائصهم الضعف، فقال: وخلق الإنسان ضعيفا، فضعفه متعلق بجسده ونفسيته، أو بالأحرى بشهوته، فكم من قوي البنية هلك لأجل فيروس لا يرى بالعين المجردة، أليس هذا دليل ضعف، وكم من عابد هلك أمام شهوة عابرة في لحظة ضعف، وهذا الضعف في الواقع ليس عيبا إن أحسن الإنسان استثماره، وذلك بإخلاص العبادة لله تعالى، واللجوء إليه بالدعاء من أن يحفظه مما يوقعه في المهالك البدنية والنفسية، ومع ذلك قد يبتليه الله تعالى فيقع في ظلم لنفسه، بأن يرتكب محظورا أو يركب إثما، فهل هذا الفعل يقضي على آماله من رحمة الله؟ّ!كلاَّ؛ إن هو تاب وآمن وعمل عملا صالحا، فأولئك يبدل الله تعالى سيئاتهم حسنات كما قال الغفور الرحيم، وكيف ينجو من ذلك؟ النجاة فيما ذكره الشيخ في فكرته السالف ذكرها، وهو التوبة والإنابة، فعل الشيخ ذكر هذه المقولة أو الفكرة في حادثة معينة، لكن في نظري أن هذه الفكرة تعدّ دستورا وقاعدة حياتية يستنير بها المؤمن وهو يحيا في هذه البسيطة التي تعوي فيها ذئاب الشهوات من كل ناحية، فإن هو استحضر أن الله تعالى تواب رحيم، وباب التوبة مفتوح ما لم يغرغر العبد، اطمأنت نفسه وارتاحت وازدادت حبا لخالقها، اللطيف الرحيم الكريم، الذي علم نقصنا فجعل لنا بابا للتوبة نلج منه إن نحن أسأنا، ولا ينبغي للمرء أن يتخذ ذلك ذريعة للوقوع في الآثام بدعوى أن باب التوبة مفتوح، فيتجرأ ويسعى في الأرض فسادا بل حيناه عليه أن يتذكر أن مكر الله تعالى شديد، وعليه أن يلتزم أخلاق المتقين بالمحافظة على الطاعات والاستقامة على الصراط المستقيم، وإذا ما مسهم طائف من الشيطان سارع في التذكر ليكون حينها بصيرا، نسأل الله حسن العمل وصدق التوجه، وحسن الخاتمة.